بسّم الله الرَّحمن الرَّحيم
أمّا بعْد..
(أَنْتَ مَحْظُوظٌ جِدًّا ، وَلَكِنْك لَا تَعَلُّم)...
حِين أَتَكلَّمُ عَنْ اَلحَظّ، لَا أَقْصِدُ الذِي يَدورُ فِي بَال اَلْكَثِير مِنكُم، حَظُّ الجَاهِ وَالمَالِ وَالعِلْم، بَلْ أَقْصِدُ حَظٌّ آخِر أَسْمَى وَأَعْلَى وَأَغْلَى. أنْت َمَحْظُوظٌ، لِأَنَّكَ مِنْ اَلنُّخْبَةِ الَّتِي جَعَلَ اَللَّهُ لهَا اَلْقَبُولُ فِي اَلْأَرْض، فَأَنْتَ طَبِيب.
فَمَا أَنْ تَذْكُرَ حَتَّى تَشْكُرْ. أنْتَ مَحْظُوظٌ لِأَنَّكَ مِنْ اَلْقِلَّةِ الَّذِينَ تَمَّ اِصْطِفَاؤُهُمْ لِيَكُونُوا فِي زُمْرَةِ اَلْأَطِبَّاء، فَلَا تَسْأَلُ عَنْ مَنْ سَعَى فَهْمُ كَثِير، وَلَكِنْ مِنْ وَصَلَ لِلْمُبْتَغَى فَهْمُ قَلِيل. أنْتَ مَحْظُوظٌ لِأَنَّكَ مِمَّنْ تُقْضى حَوَائِجُ اَلنَّاسِ عَلَى يَدَيْه، وَالصِّحَّةُ قِمَّةَ اَلنِّعَم وَالْحِفَاظِ عَلَيْهَا مِنْ أَشْرَف المَرَاتِب فِي قَضَاءِ الحَوائج.
أنْتَ مَحْظُوظٌ بِأَنّ جَعلَ اَللَّه بَيْنَ يَدَيْكَ حِرْفَةً لَمْ تَرْتَبِطْ مُنذُ الأَزَلِ إِلَّا بِالرَّحْمَة، وَالشَّرَف، والْحِكْمَة وَالسُّمُوّ. إنَّ حَظَّكَ تَعْجزُ الكَلِمَاتُ أنْ تُعَبِّرَ عَنْه أوْ تَحْصُرُه، وَلَكِنَّكَ تَرَاهُ فِي كُلِّ وَجْهٍ تَرْعَاه، وَكُلَّ دَمْعَةٍ تُوَاسِيهَا، وَكُلَّ أَلَمٍ تَخَفُّفِه، وَكُلَّ أَمَلٍ تَبْعَثُه، وَلَكِنْ كُنّ عَلَى حَذَر، فَهَذَا الكَنْزُ يَفْقِدُ بَرِيقُهُ وَتَذْهَبُ بَرَكَتُهُ وَتَقِلُّ قِيمَتُهُ إذَا جَرَّدَتْهُ مِنْ أَعْظَمَ مَا فِيه، إِنْسَانِيَّتُكَ وَرَحْمَتُكَ وَتَفَهُّمُكَ وَصَبْرُكَ وَاحْتِسَابُك، فَلا قِيمَةَ لِطِبٍّ بِلَا إِنْسَانٍ يُزَيِّنُ قَلْبُهُ رَحْمَة وعَقْلُهُ تَفَهُّم وَرُوحُهُ صَبْر وَيَشْحَذُ هِمَّتَهُ احْتِسَاب. وَمَا يَلْقَهَا مِنْ لَدُنْ اَللَّهِ، إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيم.